ملوك إسرائيل في العهد القديم (17)
(6) الملك بعشا |
القس ﭽورﭺ شاكر
نائب رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر |
سطرت ريشة الوحي المقدس سطورًا قليلة عن الملك بعشا الذي ملك لمدة 24 سنة في إسرائيل، حيث يخبرنا الكتاب المقدس أنه "في السنة الثالثة لآسا ملك يهوذا، ملك بعشا بن أخيا على جميع إسرائيل في ترصة أربعًا وعشرين سنة. وعمل الشر في عيني الرب، وسار في طريق يربعام وفي خطيته التي جعل بها إسرائيل يخطئ ... وأيضًا عن يد ياهو بن حناني النبي كان كلام الرب على بعشا وعلى بيته، وعلى كل الشر الذي عمله في عيني الرب بإغاظته إياه بعمل يديه، وكونه كبيت يربعام، ولأجل قتله إياه" (1 مل 15: 33-16: 7).
ولكن من هذه السطور القليلة نستنبط العديد من الدروس الكثيرة لحياتنا الروحية، أذكر منها:
1. بعشا اسم على مسمى
كان بعشا اسمًا على مسمى لأن اسمه معناه "شرير"، فلقد كان بعشا ملكًا شريرًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، حيث سجل الرقم القياسي في الشر، ودأب على ارتكاب كل أنواع الشرور والفجور.
ويُعتبر بعشا هو الشخص الأول بين عدد كبير من الرؤساء العسكريين الذين استطاعوا بالعنف والاغتيال الاستيلاء على عرش إسرائيل. وحتى يجعل الملك بعشا عرشه أكثر أمنًا، قام بذبح كل أقارب سلفه الملك ناداب. وبأعماله الإجرامية والوحشية والإرهابية، تمت فيه النبوة التي قيلت ضد يربعام (1 مل14: 10): "لذلك هأنذا جالب شرًا على بيت يربعام، وأقطع ليربعام كل بائل بحائط في إسرائيل، وأنزع آخر بيت يربعام."
2. بعشا الملك الذي كان حكمه مليئًا بالحروب
ملك بعشا بن أخيا في السنة الثالثة لآسا ملك يهوذا، وكان طوال حكمه لا يهدأ ولا يكل، ولا يستريح ولا يمل من الحرب وسفك الدماء، فمكتوب في (1مل15: 32) "وكانت حرب بين آسا وبعشا ملك إسرائيل كل أيامهما."
فلقد واصل بعشا حربه الطويلة مع آسا ملك يهوذا، لكن للأسف أظهر آسا ضعفه العسكري لملك أرام فمكتوب: "وأخرج آسا فضة وذهبًا من خزائن بيت الرب وبيت الملك، وأرسل إلى بنهدد ملك أرام الساكن في دمشق يقول: إن بيني وبينك، وبين أبي وأبيك عهدًا. هوذا قد أرسلت لك فضة وذهبًا، فتعال انقض عهدك مع بعشا ملك إسرائيل فيصعد عني. فسمع بنهدد للملك آسا، وأرسل رؤساء الجيوش التي له على مدن إسرائيل، فضربوا عيون ودان وآبل المياه وجميع مخازن مدن نفتالي. فلما سمع بعشا كف عن بناء الرامة وترك عمله. فأخذ آسا الملك كل يهوذا" (2أخ 16: 2-6).
هذا العمل كانت عواقبه وخيمة للغاية فمكتوب: "وفي ذلك الزمان جاء حناني الرائي إلى آسا ملك يهوذا وقال له: من أجل أنك استندت على ملك أرام ولم تستند على الرب إلهك، لذلك قد نجا جيش ملك أرام من يدك. ألم يكن الكوشيون واللوبيون جيشًا كثيرًا بمركبات وفرسان كثيرة جدًا؟ فمن أجل أنك استندت على الرب دفعهم ليدك. لأن عيني الرب تجولان في كل الأرض ليتشدد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه، فقد حمقت في هذا حتى إنه من الآن تكون عليك حروب" (2 أخ 16: 7-9).
فلقد أظهر هذا التصرف الأحمق عدم اتكال آسا على الرب الذي كان قد وعد بحمايته وراحته.
على أن بعض أعمال بعشا المشينة تضمنت بناء الرامة لاستخدامها كقاعدة حربية للزحف على أورشليم، لكن بعدما تخلى بنهدد عنه وتحالف مع الملك آسا تراجع عن هذا العمل.
3. لا تكرر أخطاء مَنْ سبقوك
في (1مل16: 1-7)، نرى كيف أن الله قضى على كل نسل يربعام لأجل خطاياهم الفاجرة، ومع ذلك كرر الملك بعشا نفس الأخطاء فلم يتعلم مما حدث للذين سبقوه، ولم يقف ليدرك أن خطيته لابد أن تقترن بالعقاب، وقد حذر النبي ياهو الملك بعشا أنه بسبب حكمه الخاطئ سوف يعانى نفس المصير الذي تعرض له يربعام (2مل 9: 9). نتعلم دروسًا من الماضي، ومن أخطاء الآخرين، ومن حياة الذين سجلت ريشة الوحي المقدس قصصهم وتاريخيهم في الكتاب المقدس، فلا نكرر أخطاءهم.
إن الإنسان الواعي هو الذي يتعلم من التاريخ ويتجنب زلات الماضي ويستفيد من خبرات أبطاله.
نعم! الفرق بين الناجح والفاشل هو أن الناجح يتعلم من أخطائه وأخطاء غيره ولا يكررها، أما الفاشل فهو الذي يخطئ ويحاول جاهدًا بكل طريقة أن يجد لأخطائه ما يبررها، فأكبر كارثة على الإنسان هي أنه عندما يخطئ يحاول أن يبرر الخطأ ويستهين به ثم يكرره ويصبح عادة لديه، وتجد الإنسان بعد ذلك كما يقول الكتاب "يشرب الإثم كالماء!" (أي 15: 16)، أي يقترف الخطية بكل سهولة ويسر... دون أي معاناة... كن قاضيًا عادلًا لنفسك، وامتحن نفسك، ولا تتساهل، ولا تشفق على نفسك ولا تبرر أخطاءك، فهذا هو طريق النجاح والتقدم والقداسة.
4. الحصاد المر نتيجة طبيعية لزراعة الشر
قال الرسول بولس: "لا تضلوا! الله لا يشمخ عليه. فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا. لأن من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فسادا، ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية" (غلا 6: 7، 8).
لقد زرع الملك بعشا الريح فحصد الزوبعة؛ زرع النجاسة فحصد الخراب؛ زرع لجسده فحصد موتًا ودمارًا.
لقد قتل كل أقارب سلفه الملك ناداب... ما أصعب خطية القائد.
لذا كان حصاد بعشا من زراعة الشر هو الدمار الشامل والحصاد المر كما جاء في الرسالة النبوية أن مصير بعشا وبيته كمصير يربعام وبيته، أي الإبادة وقمة الإهانة في الرسالة.
مَنْ يموت من بيت بعشا لن يُدفن بكرامة بل تأكله الكلاب والطيور الكاسرة، وكانت هذه قمة الإهانة في تلك الأيام.
5. الرب يرفع ويضع
نقرأ في (مز 75: 7) عن الله في عظمته وقدرته: "هذا يضعه وهذا يرفعه." وهذا ما نراه بوضوح في (1مل 16)، فمكتوب أنه كان كلام الرب إلى ياهو بن حنانى على بعشا قائلاً: "من أجل أني قد رفعتك من التراب وجعلتك رئيسًا على شعبي إسرائيل، فسرت في طريق يربعام وجعلت شعبي إسرائيل يخطئون ويغيظونني بخطاياهم هأنذا أنزع نسل بعشا ونسل بيته" (1مل 16: 1، 2).
نعم! لقد أعطى الله بعشا فرصة العمر ورفعه ليكون ملكًا على شعب إسرائيل، ولكنه لم يقدر هذه الفرصة الذهبية، واستمر وتمادى في الخطأ ولذلك كان عقابه رهيبًا، فمكتوب: "قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم 16: 18)، "يقاوم الله المستكبرين، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (يع 4: 6).
6. ويل لمَنْ يغيظ الرب بخطاياه
"عن يد ياهو بن حناني النبي كان كلام الرب على بعشا وعلى بيته، وعلى كل الشر الذي عمله في عيني الرب بإغاظته إياه بعمل يديه" (1مل 16: 7).
وهذا ما يقوله الكتاب المقدس عن الملك بعشا الملك الشرير، فمكتوب أنه هو الذي جعل شعب إسرائيل يخطئون ويغيظون الرب فانطبق عليهم القول الكتابي في (مز78: 56-59) "فجربوا وعصوا الله العلي، وشهاداته لم يحفظوا، بل ارتدوا وغدروا مثل آبائهم... أغاظوه بمرتفعاتهم، وأغاروه بتماثيلهم. سمع الله فغضب، ورذل إسرائيل جدًا."
وانطبق عليهم ما جاء في (مز106: 29) "وأغاظوه بأعمالهم فاقتحمهم الوبأ." وما جاء في (إر11: 3-7) "فتقول لهم: هكذا قال الرب إله إسرائيل: ملعون الإنسان الذي لا يسمع كلام هذا العهد، الذي أمرت به آباءكم يوم أخرجتهم من أرض مصر، من كور الحديد قائلًا: اسمعوا صوتي واعملوا به حسب كل ما آمركم به، فتكونوا لي شعبًا، وأنا أكون لكم إلهًا، لأقيم الحلف الذي حلفت لآبائكم أن أعطيهم أرضًا تفيض لبنًا وعسلاً كهذا اليوم."
نعم! ويل لمَنْ يغيظ الرب بخطاياه وعدم حفظ وصاياه... وبعدم عمل رضاه... حقًا ينكسر مَنْ يكسر وصايا الله.
عبرة في عبارة: "يضع الشر نهاية لحياة الإنسان ... إذا لم يضع الإنسان نهاية للشر في حياته".
|
|