مواطنون حتى النخاع |
مدير التحرير ثروت صموئيل |
ما أكثر الأحداث التي تستحق التعليق هذا الشهر، بدايةً من أحداث خطف أو اختفاء المسيحيات، والاعتداء على كاهن الإسكندرية، ومرورًا بالحركات الصبيانية للمدعو عبد الله رشدي، ووصولًا إلى تصريحات الدكتور الشيخ أحمد الطيب، وانتهاءً باحتفال إفطار الأسرة المصرية وتصريحات السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي.
بخصوص خطف أو اختفاء المسيحيات، لا أريد الرجوع إلى هذا الموضوع مرة أخرى بعد أن تناولته في شهر فبراير المنقضي في مقال حمل عنوان "خطف أم اختفاء؟"، وكتبتُ أنه إزاء تأكيد البعض بأن وراء الأمر هيئات خارجية وداخلية منظمة، سواء بالتخطيط أو التمويل أو التحريض، وإصرار أُسر الفتيات أنها عملية خطف وإجبار على الأسلمة، في مقابل نفي مشيخة الأزهر مسئوليتها عن اختفاء الفتيات، ورغم جهود الأمن في العثور على الفتيات وإعادة بعضهن إلى أسرهن، يبقى الاتهام موجهًا من البعض بتواطؤ الأمن (قال والد أحد الفتيات إن ضابط الشرطة اتصل به وأبلغه أن "ابنته اهتدت وعقباله لما يهتدي").
والآن ليس أمامنا إلا رئيس بلادنا، رئيس كل المصريين، نرفع إليه الأمر ليأخذ القانون مجراه ويوفر الحماية لأخواتنا وبناتنا، ولتعود جلسات النصح والإرشاد، والتي ألغاها رئيس الداخلية الاسبق حبيب العدلي نكايةً في الكنيسة التي أصرت أن تعود السيدة وفاء قسطنطين إلى زوجها؛ عندها ستخرس كل الشائعات، وليذهب مَنْ يريد ويأتي مَنْ يريد.
سيبقى مسلسل اختفاء المسيحيات طعنة في قلب المواطنة داخل هذا الوطن وملفًا مفتوحًا لم ولن يُغلق في دولة لا تعرف من المدنية سوى اسمها فقط.
- يدعي عبد الله رشدي أنه يدافع عن الأزهر، وشعاره دائمًا هو "الأزهر قادم". وهذا الشخص لا نعرف مصدر قوته، فقد تم التحقيق معه بمعرفة وزارة الأوقاف وجرى إيقافه عن الخطابة، ثم عاد مرة أخرى، وتبرأ منه شيخ الأزهر لكنه لا يزال يدعي أنه رجل الأزهر. لم يترك موقفًا يستحق أو لا يستحق إلا وعلَّق عليه، وهو متخصص في ركوب (التريند). موقفه من المرأة وبوستاته التي تحاول تحقيرها والحط من شأنها مثيرة للاشمئزاز، ومكايدته للمسيحيين في قضية (الكشري) بأن وضع صورة لطبق كشري التحرير وعلَّق "أحلى كشري" تدل على عقليته.
لقد أصبح عبد الله رشدي لغزًا محيرًا، فهل يعرف أحد من وراء هذا العبد الله رشدي؟
- خرج علينا فضيلة الشيخ أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر في الأيام الأخيرة بمجموعة من التصريحات في حواره مع مجلة "صوت الأزهر"، أهمها: المسيحيون ليسوا أهل ذمة وهم متساوون في الحقوق والواجبات؛ تهنئة المسيحيين بالأعياد ليست من باب المجاملة وإنما انطلاقًا من فهمنا للإسلام؛ التضييق على غير المسلمين في مأكلهم ومشربهم بنهار رمضان "سخف"؛ لا يجوز للمسلم مسُّ التوراة والإنجيل دون طهارة؛ بناء مسجد أمام كنيسة "تضييق على المسيحيين".
بدايةً، أتمنى أن تكون هذه التصريحات عن قناعة وليست لتطييب الخواطر أو تهدئة الأمور، أو تحت ضغوط داخلية أو خارجية. ثانيًا، يجب أن يعلم الجميع أن هذه حقوق وليست مَنَّة من أحد، وأرجو ألا يذكِّرنا أحد في كل موقف بأننا مواطنون ولسنا أهل ذمة، فنحن كمواطنين لسنا في ذمة أحد؛ نحن مواطنون حتى النخاع. في دولة المواطنة، جميع أفراد المجتمع متساوون في الحقوق والواجبات، وجميع الفرص متاحة أمامهم باختلاف عقائدهم الدينية، ومعتقداتهم الفكرية، وانتماءاتهم السياسية، وما يضمن تحقيق ذلك هو القانون العادل والقضاء النزيه.
كنتُ أتمنى أن يكون ما صرَّح به الشيخ الطيب أمورًا بديهية ومتفق عليها، ولكن بما أننا وصلنا إلى ما وصلنا إليه من حالة متردية بعد أن سيطر التطرف على الشارع، فإن هذه التصريحات هامة وقد جاءت في الوقت المناسب. وعلى أية حال، شكرًا للدكتور أحمد الطيب.
- لا يزال الرئيس عبد الفتاح السيسي، من وجهة نظري، يغرد منفردًا؛ تصريحات وقرارات الرئيس في إفطار الأسرة المصرية تستحق الإشادة والتقدير، وإصرار الرئيس أن يكون رئيسًا لجميع المصريين يستحق الإشادة، ولفتات الرئيس الإنسانية بأن يجلس على مائدته نماذج من الشباب البسيط تستحق الإشادة، وقرار الإفراج عن المسجونين السياسيين يستحق الإشادة. أعلم أن هناك كثيرين لا يزالون في السجون، وخاصةً المتهمين بازدراء الأديان، ولكن ما يُدرك كله لا يُترك كله. إن دعوة الرئيس إدارة المؤتمر الوطني للشباب بالتنسيق مع كل التيارات السياسية والحزبية والشبابية لإدارة حوار سياسي حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة دون استثناء أي فصيل تستحق الإشادة، ونرجو أن تجد هذه القرارات مَنْ ينفِّذها ويتابعها.
- وأخيرًا، كل الشكر والامتنان لله تبارك اسمه، فبين يديك عزيزي القارئ العدد 200 من "الطريق والحق"؛ مسيرة طويلة من العرق والجهد والكفاح، حاولنا فيها أن نكون عند حسن ظن القارئ. فشلنا مرات ونجحنا مرات، وفي كل المرات كان القارئ وحده نصب أعيننا. شكرًا لكل مَنْ شجعنا، فأنتم من أسباب أي نجاح حصدناه؛ وشكرًا لكل مَنْ رمانا بحجر، فقد كانت هذه الحجارة سلمًا نصعد به للقمة. شكرًا للجميع.
|
|