أصل الشجرة |
د. أماني ألبرت |
مات هامان وأخذت أستير بيته وأخذ مردخاي خاتمه، فقد كان الملك كريمًا معها ومع مردخاي قريبها. ورغم هذه الأمور الرائعة التي حدثت إلا أن المرسوم الملكي الذي يقضي بقتل وإبادة وإهلاك شعب الله في كل أنحاء المملكة لا يزال قائمًا. لقد مات هامان لكن تأثير شره مازال باقيًا، فقد كان موته بمثابة قطع الشجرة من الأرض إلا أن جذورها ما تزال باقية.
هذا بالضبط ما يحدث مع الأشخاص الذين يصارعون مع نفس القيد أو الخطية فيتحررون منها ثم يعودون إليها مرة أخرى بعد فترة من الزمن. قد يكون السبب هو وجود خطية أو قيد أخر هو أصل أو جذر هذه المشكلة، فيبدو وكأن هناك جذورًا خفية تسعى لإعادة الشخص لنفس الخطية.
بالضبط كما حدث مع سيمون الساحر، الذي كان يستعمل السحر ويدهش أهل السامرة، ولما سمع فيلبس تاب عن سحره وآمن واندهش من الآيات والعجائب التي حدثت. لقد تحرر من القيد الخارجي الظاهر وهو ممارسة السحر، ولكن بعد فترة من الزمن أتى بطرس ويوحنا ووضعا أيديهما على مَنْ آمنوا فنالوا الروح القدس، فقدم سيمون أموال لبطرس ويوحنا حتى ينال هو أيضًا السلطان. لقد أراد أن يقتني موهبة الله بدراهم حتى يستطيع أن يتربح منها. وقد كان هذا القيد هو جذر المشكلة لدى سيمون، فمحبته للمال قادته لأن يمارس السحر فيكسب منه، والآن هو يريد أن يكسب من وراء الروح القدس.
الكتاب يقول: "محبة المال أصل (جذر) لكل الشرور، الذي إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة" (1تي6: 10). فمن الممكن أن تجد أشخاصًا يعملون كل ساعات النهار والليل دون إعطاء وقت للرب أو لعائلاتهم. القيد الخارجي يقول إنهم مشغولون أو مرتبطون أو محبون لأعمالهم أكثر من محبتهم للرب ولعائلاتهم، ولكن قد يكون الجذر الخفي أصل المشكلة هو محبتهم للمال.
يمكننا أيضًا أن نقرأ عن السبب الأصلي وراء عدم امتلاك الشعب الوعد بدخول أرض كنعان في رسالة العبرانيين، فربما يكون السبب الظاهر هو خوفهم من المواجهات أو تذمرهم، ولكن كل هذه نتائج للسبب الأصلي وهو عدم الإيمان، حيث يقول الكتاب المقدس: "لم تنفع كلمة الخبر أولئك. إذ لم تكن ممتزجة بالإيمان في الذين سمعوا" (عب4: 2)، فقد سمعوا وعود الله ولكنهم لم يؤمنوا بها فلم يتمكنوا من الدخول إلى أرض كنعان.
لذا دعونا نصلي كي يحررنا الله من القيود الظاهرة والقيود الخفية، من الخطايا الأصلية ومن الخطايا الناتجة عنها. ولنعلن إيماننا: "الآن قد وضعت الفأس على أصل (جذر) الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تقطع وتلقى في النار" (لو3: 9). لنصدق أن فأس كلمة الله تأتي على كل جذور لأفكار، لقيود، لخطايا داخلك وتقطعها من جذرها. ولنؤمن أن الرب يقلع ويهدم ويهلك (إر1: 10) كل جذور للخطية تجعلنا نعود مرة أخرى لما سبق وتحررنا منه.
ليكن لدينا الإيمان أن تحرُّرنا من الخطية الجذر أو من سبب المشكلات والقيود لن يأخذ وقتًا طويلًا لأن الآية تقول: "الآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر." فالآن تعني حالًا، أو في مدة قليلة. "أليس في مدة يسيرة جدًا يتحول لبنان بستانًا؟" (إش29: 17). فمهما كان التدمير الذي حدث في نفسيتنا فستتحول في وقت قليل جدًا إلى بستان مملوء بالثمر ذي الرائحة الجميلة. لن تظل نفسيتنا كالبرية لأن الرب سيجعل في الأرض القفر أنهارًا بحسب وعده: "هأنذا صانع أمرًا جديدًا. الآن ينبت. ألا تعرفونه؟ أجعل في البرية طريقًا، في القفر أنهارا" (إش43: 19).
ومهما كانت قوة الخطية الجذر أو طول فترة العبودية، فالرب سيتدخل. "هوذا السيد رب الجنود يقضب الأغصان برعب، والمرتفعو القامة يقطعون، والمتشامخون ينخفضون. ويقطع غاب الوعر بالحديد، ويسقط لبنان بقدير" (إش10: 33، 34). "غاب الوعر" بحسب الترجمة اليسوعية تُقرأ "أدغال الغاب"، وهي تشير إلى تلك الأشجار السميكة المتشابكة الموجودة في الغاب. لذا مهما كانت قوة وتشابك القيود في حياتنا فلنثق أن الرب سيستخدم فأسًا قويًا من حديد ليقطعها.
لنثق أن الرب سيحررنا من الجذور والنتائج معًا. لن يقطع الشجرة من جذرها ويترك النتائج. كلا، فحين تُقطع الشجرة من الجذر تهرب الطيور من أغصانها (دا4: 11). لذا لنؤمن أن أي أفكار هي بمثابة طيور مؤذية جارحة تسكن هذه الأشجار وأنها ستهرب لنتحرر تمامًا.
نعم، لله توقيتاته ومواعيده التي يتدخل فيها ليقلب الأوضاع رأسًا على عقب. فقد يتخيل الأشرار أنهم مسيطرون على الأوضاع وأنهم انتصروا على أولاد الله، ولكن هناك وقت محدد يقوم الله فيه ليبيد الظالم ويشتت كل مشورة ضد الصديق ويصنع تحولات رائعة لصالح أولاده.
|
|