لا للتوقف |
د. أماني ألبرت |
أصبحت أستير الآن غنية، ونال مردخاي أعلى وظيفة في القصر الملكي، وهدأ غضب الملك أخيرًا. ولكن ماذا بشأن المرسوم الملكي الذي لم يتغير، فهو لا يزال قائمًا وهو يقضي بقتل وإبادة وإهلاك شعب الله. ربما توقعت أستير أثناء لقائها بالملك أن يحدث أكثر من موت هامان؛ أن يتغير القرار أو يُنقض المرسوم، ولكن لم يحدث شيء من توقعاتها. فكيف ستتصرف؟
هل ستُحبط بسبب عدم حدوث ما كانت تتوقعه؟ وهل ستُحرج من أن تكلم الملك في هذا الأمر مرة ثانية؟ وهل ستكتفي بأنها هي وقريبها مردخاي في أمان وأنها حاولت وعرضت حياتها للخطر مرة؟ في حقيقة الأمر أستير لم تُحبط لأن الأمر لم ينته تمامًا في جلسة واحدة، ولم تُحرج من أن تطلب من الملك أمرًا آخر، كما لم تكتفِ بكونها في أمان دونًا عن بقية شعبها، فالكتاب يقول: "ثم عادت أَستير وتكلمت أَمام الملك" (أس8: 3). لقد تكلمت مرة أخرى ولم تكتف بما حدث.
وهكذا ينبغي أن ندير صراعاتنا؛ نديرها ونحن غير مستسلمين. فإن لم نتحرر من المرة الأولى نستمر في الصلاة، وإن لم تُحل مشاكلنا من المرة الأولى نستمر في الصلاة. لا نتوقف عن رمي السهام مثل الملك يوآش بل نستمر في ضرب العدو إلى الفناء (2مل13: 19)، ولا نطرح ثقتنا (عب10: 35) واثقين أننا بالإيمان والأناة ننال المواعيد (عب6: 12).
كانت أستير عظيمة أيضًا لأنها جازفت بحياتها مرة أخرى حين دخلت أمام الملك دون إذن، فجاءت إلى العرش وهناك سقطت عند رجلي الملك وتضرعت كي يزيل شر هامان، فمد لها الملك قضيب الذهب فقامت "ووقفت أمام الملك". ويلاحظ أن دخولها هذه المرة يختلف عن دخولها في المرة الأولى التي طلبت فيها أن يصوموا ويصلوا من جهتها قبل أن تدخل، أما هذه المرة فقد دخلت وقلبها ممتلئ بالإيمان بسبب ما فعله الله بهامان. ويلاحظ أيضًا أنها لم تكلم الملك على انفراد كالمرة السابقة ولكنها تكلمت أمام الجميع بشجاعة، فهي لم تَعد خائفة من أن يؤثر أحد عليه بل وثقت أن الرب متحكم في قلب الملك (أم21: 1).
وهكذا يجب أن نواجه أمورنا غير المحسومة، إن واجهناها في البداية ونحن مهزوزون، نعود ونواجهها مرة ثانية بكل قوة، بإيمان وثقة وجرأه غير خائفين أو مرتعبين منها لأن الرب يقف معنا.
ما أروع قلب أستير، فقد كانت بداخله مشاعر عظيمة نحو شعبها، إذ يقول الكتاب إنها "بكت وتضرعت"، وهكذا ينبغي أن تكون مشاعرنا نحو النفوس الغالية على قلب الرب، نفوس أحبائنا وأقربائنا. نتشفع لأجلهم ليعيشوا مع الله، أو ليخلصهم من ضيقاتهم ويشفيهم من أمراضهم، ونذكر المتألمين كأننا متألمون معهم.
لم تقبل أستير أن تتمتع بالإنقاذ وحدها دونًا عن شعبها، بالضبط كما فعلت راحاب التي جمعت أباها وأمها وإخوتها وبقية عائلتها حتى لا يهلكوا بهلاك أريحا (يش6: 23)، وكما فعل إبراهيم الذي تشفَّع وصلى من أجل ابن أخيه لوط عندما عرف أن الرب مزمع أن يهلك سدوم وعمورة (تك 18).
وهكذا كان الرسول العظيم بولس حينما قال: "إن لي حزنًا عظيمًا ووجعًا فِي قلبي لا ينقطع! فإنّي كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح لأجل إخوتي" (رو9: 2-3)، فقد كان حزينًا متألمًا في قلبه من أجل أخوته الذين لم يعرفوا المسيح، ومن حبه لهم قال إنه تمنى أن يُحرم من المسيح ليعرفوه هم.
موسى أيضًا تشفع من أجل الشعب عندما أخطأوا وصنعوا لأنفسهم آلهة من ذهب فصلى طالبًا أن يغفر الرب خطيتهم وإلا يمحوه من الكتاب (خر32: 32). لم يقبل أحد من هؤلاء أن يتمتع بالرب دونًا عن أخوته، ولم يقبل أحد من هؤلاء أن تكون أحواله جيدة ومستقرة دونًا عن إخوته، فالرب أوصانا أن تكون لدينا "‘محبة أخوية عديمة الرياء، فنحب بعضنا بعضًا بقلب طاهر بشدة" (1بط1: 22).
ورغم أن موعد القتل كان بعد عام تقريبًا إلا أن أستير لم تتأخر أو تؤجل طلب المعونة لأنه كان لا يزال أمامها وقت طويل، ولكنها استغلت كل لحظة ليكون الوقت في صالحها. ومثلها يجب أن نصلى ونحارب حروبنا دون تراخي أو تأجيل.
ومن ذكائها أنها قالت للملك: "لترد كتابات تدبير هامان" (ع 5)، فهي لم تقل "لترد المرسوم الملكي" لأنها تعرف أنه بحسب قانون مادي وفارس لا يمكن أن يُرد المرسوم المختوم بخاتم الملك. فليعطنا الرب نحن أيضًا أن نتكلم بذكاء، فهي لم تلُم الملك ضمنيًا على ختم المرسوم ولكنها ألقت اللوم بالكامل على هامان.
|
|